يوم وفاتي ..


يوم وفاتي

كنت ُ راغبا في الانتحار .. ولكن خوفي من الله منعني من أن أفعل ذلك .. وفي إحدي الايام بعدما مللت الحياه متمنيا ً الموت .. دخلت علي سريري مستلقيا ًعلي ظهري أسترجع شريط حياتي أمامي .. وكانت رغبتي في الموت هذا اليوم أكثر مما سبق ..
كانت الساعه السابعه من يوم الخميس .. في اي شهر ومن أي عام .. لم اتذكر سوى اليوم والوقت .. !! وقتها شعرت ُ بثقل في قدمي .. وبدأت افقد السيطره عليها ولم أستطع تحريكها .. فأيقنت انه ما تمنيت .. انه الموت قد جاء اخيرا ً ..بعد انتظاري له اياما ً طويله . لم اخاف وقتها .. ولكني كنت أشعر بسعاده .. بدأت أبتسم بعدما ردت الشهادتين .. وبدأ التوقف يعلو .. ويعلو .. وكلما زاد لأعلي كلما أيقنت انني للموت أقرب  .. وها انا بدأت اشعر بخفه في جسدي بعدما ثقل كله فجاءه .. بدأت اشعر بسهوله في الحركه ..
فحزنت لانه كان مجرد حلم .. من كثره تفكيري في الموت .. واني مازلت حيا ً لم أمت ..
وهممت للنهوض من سريري .. ولكن كانت المفاجأه أنني رأيت نفسي علي السرير .. تلك الجثه هي جثتي .. يااا الله  انا ميت الان .. !!
لما كنا نخاف الموت .. بينما هو سهل الي هذا الحد .. وبدأت اقترب من جثتي . وكأني أنظر الي مرآه .. ولكن الاختلاف الان هو عندما اتحرك .. لا يتحرك من في المرآه .. !!
فأخذت انظر الي ملامح وجهي .. متأملا ً نفسي .. متعجبا ً كيف ارى نفسي كذلك .. !!
واثناء انسجامي في النظر الي نفسي اذ بصوت ينادي .. اسلام اسلام .. انه صوت أمي .. !!
 فقلت ُ لها .. نااازل .. !! _ ولكنها بدأت تنادي بصوت اعلي من الصوت السابق ..
وقد نسيت للحظات انها لن تسمعني مره اخرى .. فسمعتها تطلب من اختي أن تصعد لتعطيني كوب من الحليب لانني صعدت للنوم من دون عشاء .. هنا بدأت اخاف علي اختي حين تعلم بـ أمر موتي نظرا لجبنها الشديد .. وعمرها الذي لا يتجاوز الثلاثه عشر عاما ً .. فحاولت ُ اغلاق باب الغرفه قبل صعودها ولكن جميع محاولاتي فشلت .. !!
وها هي تصعد السلم وتقترب من الشقه التي أرقد فيها .. ولكني حاولت ان ادفع الباب مره اخرى .. فدفعته بقوه شديده .. فأنغلق ولم يكن مفتوح منه سوى جزء صغير .. لم اعرف انا الذي اغلقته ام لطف الله بحالي فمنحني بعض الهواء الذي اغلق الباب .. !!هنا دخلت اختي ووضعت الحليب في الصاله .. ثم همست بصوت منخفض .. اسلام انا جبتلك " الشاي باللبن" .. وهمت علي النزول ..  وانا اقف امامها ولكنها لم تراني ..ولكنها عادت فجاءه وفتحت الباب .. وبدأت انا اصيح خلفها .. لا لا لا
اخرجي .. أنزلي ..... ولكنها دخلت الغرفه .. وبدأت تنادي إسلام .. إسلام .. !!
وتقترب وتقترب مني .. وبدأت تشك في أمر موتي .. !!
فنزلت مسرعه الي اختي الاخرى التي لا يتجاوز عمرها الثامنه عشر عاما ً واخبرتها ما حدث .. فضحكت وقالت لها انها محاوله مني فقط لـ اخافتها .. ولكنها اصرت بشده .. انها ليست مزحه مني وحسب .. وطلبت منها ان تصعد معها مره اخرى .. !! وقد فعلت .. وهم يجهلون اني أقف بجوارهم استمع الي حديثهم .. !! فاتجهوه الي الشقه التي ارقد فيها وبدأ القلق يتسلل الي قلب اختي الاخرى التي بطبيعتها أجبن اخوتي ..فـ اتجهو الي اعلي وانا معهم .. هنا سألتهم امي .. " في ايــه " ..؟؟ ردت اختي الصغرى مفيش يا ماما ثواني وجايين .. !!
وبدأت تنادي اختي الكبرى .. فور دخولها الشقه وقبل دخولها الغرفه .. إسلام .. إسلام فهي خائفه من ان يكون شكهم في محله .. ويدخل الاثنان وانا من خلفهم .. وقد بدأت اصوات قلوبهم تعلوو .. !! ووجوههم شاحبه ناظرين الي جثتي .. وانا اراقب ملامح وجههم .. بدأت اختي الكبرى تحرك جسدي .. وتصيح بصوت اعلي .. إسلام .. إسلام ..
هنا نظر لبعضهم في قلق وخوف .. وبدأت اول دمعه في السقوط من عين اختي الكبيره ..
ولكنها دون يقين ..فبرغم كل شىء هي مازالت تحاول خداع نفسها أني لازلت ُ علي قيد الحياه ..
سرعان ما نزلوا وانا معهم .. واخبرو أمي .. فهرولت مسرعه لأعلي .. وهنا بدأ ابي يشعر ان هناك شيئا ً ما يحدث .. ولكنه لم يتحرك .. فقط يجلس علي كنبته المواجهه للتلفاز .. يحمل الريموت بين يديه .. مشاهدا التلفاز .. وتجلس بجواره .. اصغر  اخوتي .. ابنه العام السادس ..
فنادي ابي علي اختي التي شاهدتني اولا ً هو في ايه .. ؟؟ فحكت له .. بينما كانت تصعد امي الي اعلي ..فضحك ابي وقال لها " بيضحك عليكوا .. بيخوفكوا " ..
دخلت امي الشقه وكانت معها اخوتي .. من ثم غرفتي .. وكان قلبها ينتفض خوفا ً وكأنها كانت تعلم من قبل الصعود اني فارقت الحياه .. ولكنها بدأت تدفع جسدي بكل قوه .. وتردد اسمي املا ً في ان ارد عليها ..وخانتها عيناها بدمعتين .. وقد علمت اني مت ولكنها تحاول خداع نفسها عشما ً .. ان تكون اصابتني حاله اغماء .. او ما شبه .. ثم نادت بـ أعلي صوتها .. سامي .. سامي ..
صعد ابي ومعه اختي الصغيره دخل علي .. وقد بدأت دموع امي واخوتي علي تنهمر .. لم تكن دموع وفاتي .. فهم ليسوا متأكدين الا الان .. ولكنها كانت دموع الخوف والقلق .. فور دخول ابي الشقه .. اخبرته امي اني لا اتحرك .. دخل وحاول تحريكي .. لم اتحرك .. فحاول ان يطمئنهم بتعيطوا ليه .. اغماء عادي .. وكانت محاوله منه لخداع نفسه اولا ً .. ثم خداعهم .. وقد شع قلبه اني فارقت الحياه ..
ذهب ابي ليحضر الطبيب .. جلست امي امام غرفتي تبكي .. فـأقتربت منها اختي .. الاكبر انتي بعيطي ليه بس انا مفيش فيا اعصاب يا ماما .. بابا زمانه جاي وان شاء الله الدكتور هيقول انه كويس .. اما اختى الاصغر فسرعان ما اختفت تبحث عن الهاتف .. واتصلت باختي الاخري المتزوجه في " البلد " .. وكانت اختي تلك تكبرني بعام وهي اكبر اخوتي .. ولها طفلين مازن وتغريد .. فردت علي الهاتف سمعت بكاء .ز مما دفعها للقلق .. فسألتها في ايه يا بت .. ؟؟ مالك بتعيطي ليه .. !!
فأخبرتها انني فاقد للوعي وذهب ابي ليحضر الطبيب .. فرددت ربنا يستر .. !!
بدأت اصوات اقدام تعلو من السلم .. انه ابي والطبيب .. لم يكن وجهه هذا الطبيب مألوفا ً لي فلم اعرفه .. ولم اشاهده من قبل .. فاقترب الجميع من الطبيب فور صعوده مندفعين نحو الغرفه .. املا في ان يخبرهم بعض الكلمات التي تطمئن قلوبهم ..
فطلب منهم الطبيب الخروج جميعا ً .. عدا أبي .. !!
وما هي الا لحظات فخرج ابي والطبيب .. سألت امي الطبيب .. في ايه مااات .. صح .. ؟؟
هرب الطبيب بعينيه من عين امي .. شفقه عليها .. فذهبت الي ابي الذي بدأ متماسكا ً .. فقالت له .. ماااات .. ؟؟
فنزلت دمعه من عين ابي .. أخبرت امي ما اردت معرفته .. !!
فصاحت امي "ماااااااات " بصوت عاااال وبكاء وصراخ .. مما جعل ابي يهدأها .. حرام كده وهو دامع العينين باكي .. وبدأت تنهار اخواتي .. وبدات تتصاعد يراننا علي صوت امي ..
بدأت تتسأل شهد اختي اخواتي الاكبر .. " هو في ايه .. " محاوله فهم ما يدور حولها .. ولكنها وجدت كل من يوجد حولها منهارا ً .. بدأت دموع جيراني ايضا ً .. تتساقط من اجلي .. أغلق ابي باب الغرفه .. سحبت احدى جيراننا شهد اختي .. وأجلستها في بجوارها ومسحت لها عينيها .. واخبرتها ان لا تخاف .. وبدأت تحتضن شهد .. !!
هاتف أبي يرن .. انه زوج اختي . بعدما اتصل علي جميع هواتفنا ليطمئن علي ولم يرد عليه أحد .. !! ولكن رد أبي .. فسمع محمد اصوات البكاء .. فأيقن اني فارقت الحياه ..
فسأل أبي .. هو اسلام فيه حاجه .. ؟؟ فرد ابي بصوت متقطع .. مااات .. !!
شد حيلك .. تلك كانت اخر كلمه نطقها محمد واغلق الهاتف لصراخ اختي بجواره .. بعدما كانت تقف بجواره مستمعه للمكالمه .. وأيقنت هي الاخرى ان اخوها قد مات .. !!
دخل احدهم يحمل كفني لم اكن اعلم من هو .. فقد كل ما شغلني وقتها هي عيون النساء التي تتجه الي امي شفقه عليها .. وعيونهم التي تمتلىء بالتعجب .. وكأنهم كانوا لا يعتقدوا باني لن اموت .. او مازلت ُ صغيرا ً علي الموت .. !! وبدا المنزل يمتلىء عن اخره فلا يوجد متسع لقدم .. !! وبرغم ذلك لا تسمع سوى اصوات البكاء وبعض كلمات الصبر التي تعزى بها امي .. وبعد ما يقرب من ساعتين في العاشره مساءا ً تقريبا من ذاك اليوم .. قد تجمع معظم اقاربي في شقتنا .. وقد سهروا للصباح حتي اشرقت شمس يوم الجمعه .. وقد كانت جثتي بالداخل بعدما غسلوني في الثانيه عشر ووضع لي العطور .. وقاموا بتشغيل المروحه علي جثتي حتي لا تتعفن.. !! او يصدر منها ريح كريه .. وكان ابي يدخل هو و زوج اختي علي مراحل ليدلك جسدي حتي لا يتجمد ويصعب عليهم حملي ووضعي في " النعش " .. اما روحي فكانت بالخارج بعيدا عن جثتي معظم الوقت.. بجوار مازن ابن اختي البالغ من العمر عاما ونصف .. من شده تعلقي وحبي له .. فكان الكل يبكي من حوله .. إلا هو كان مبتسما ً وينظر لي في كل اتجاه أذهب له .. حتي شككت انه يراني فعلا مما جعلني اقترب منه اكثر محاولا مداعبته .. ووجدته يستجيب لمداعبتي .. مما جعلني اتأكد ان نظراته لي لم تكن من قبيل المصادفه .. وانه هو الوحيد في تلك الغرفه الذي يراني .. !!
اما ابنه اختي تغريد .. ابنه الثلاثه اعوام .. فلم تفهم شىء مما يدور حولها .. فقط كانت تتسأل " هو خالي اسلام مالوو يا ماما .. " باحثه عن اجابه وتفسير لما يحدث امامها .. !!
فتقترب شهد اختي .. منها ابنه العام السادس .. وكانت تريد ان تريح قلب تغريد .. خالك اسلام مات يا تغريد .. عند ربنا .. فرددت تغريد من وراءها .. عند ربنا .. !! ونظره لشهد نظره تعجب .. مما جعلني اترك مازن والحاضرين .. واقترب لـ استمع لذاك الحديث البرىء .. تاركا ً كل شىء من خلفي .. وعن مصيري في القبر الذي ينتظرني .. !!
وفي السابعه والنصف صباحا ً .. دخلوا علي جثماني .. وحملوه ووضعوني في احدى السيارات .. وبدات السيارات تنتقل .. وبدأت امشي بجوار السيارات والحقها بسهوله .. لم اكن طائرا ً .. ولم اكن ماشيا ً علي قدمي .. ولكنها كانت اشبه ببساط سحري ينقلني .. كيفا شئت في سهوله وحريه .. وأكتشفت يومها بان لم يكن مازن ابن اختي فقط وحده الذي يستطيع اني يراني .. ولكن جميع الاطفال كانت تنظر لي من نافذات السيارات .. فاخذت اداعب هذا .. واداعب ذاك .. وها قد وصلنا لـ بلدتنا التي أدفن فيها ..حملوا نعشي بعض الرجال .. والشباب التي كانت اغلبهم اقاربي .. ودخلوا به المسجد ووضع اماام المصليين .. خطب الشيخ الجمعه وعقب الانتقاء من الصلاه .. طلب من المصليين في مكبر الصوت عدم الانصراف .. لصلاه الجنازه علي جثماني .. ونادى في المكبر ان يتقدم والدي لـيكون امام للناس في صلاه الجنازه .. وبدأ ابي تكبيره الاولي .. وانا امرو علي وجوه المصليين واحدا ً .. تلو الاخر .. وجدت ُ الكثير من اقاربي يبكون علي .. والبعض كأنه لا يصدق إلا الان .. وهنا ردد ابي السلام عليكم ورحمه الله .. ووجدت ُ جثماني يحمل علي الاكتاف .. وعدد كبير من الناس يمضون خلف نعشي .. في صمت .. فقط اصوات نعالهم .. هذا ما كنت ُ أسمع .. وقفوا عند القبر .. وبدأ البعض يحمل جثماني من النعش .. ويدخله في القبر .. وهنا لم استطع ان اتحرك كما اشاء .. فقط دخلت القبر ووجدت نفسي اراهم وهما بالخارج .. واسمعهم جيدا ً .. وقف رجل وكانت له نصف لحيه خفيفه .. وقال ادعو له بالرحمه والمغفره .. وبدأ البعض يردد بعض الادعيه علي قبري .. وبدأت اسمع انين البعض ولكني لم استطع تمييز الاصوات .. او معرفه الاشكال .. وبقوا معي عدد قليل امام القبر يدعون ويستغفرون لي .. وكان من بينهم أبي .. الذي كان يدعوا بصوت مسموع .. وتغسل دموعه عينيه مع كل دعاء .. هنا بدأت اشعر بالاشتياق لـ أمي .. وأخواتي .. لكن سرعان ما جاء احدهم وهمس بجوار أبي .. ربنا يرحمه .. يلا بقي .. فرفض ابي ان يذهب معه .. ولكن مع اصرارهم عليه .. بدأ يستسلم لهم .. وبدات اراهم امام عيني .. وبدأت اشعر بالخوف بين ملكين سينزلان علي .. وبين ضمه القبر .. وبين دموع والدتي .. وبين حنين اخوتي .. آآآآه
بدأت استمع الي اصوات اقدامهم وهي تبتعد وتبتعد .. عني .. !!



رساله من الكاتب
( اعلم ان تلك القصه من وحي خيالي .. كما اعلم انه سيأتي يوم وتتحقق كما هي .. او ربما تعديلات بسيطه .. ليس تدخلا في الغيب .. ولكني تخيلت افراد اسرتي .. وردود افعالهم تجاه موتي .. مذكرا ً نفسي بهذا المشهد الذي لابد منه .. فمهما طال العمر انا راحل  .. فإن مت .. ستذكرهم هذه القصه بحالي .. الذي اتمني من الله أن يكون أفضل مما ذكرت في القصه .. لذا بعد وفاتي أحببت ان اترك لكم أثرا ً من كتاباتي .. يذكركم بي بعد مرور السنين .. فالحروف تبقي دائما ولا تموت كصاحبها .. لذا أدعو الله ان يرحمني انا وجميع اموات المسلمين في حياتي .. أو وفاتي التي لا اعلم متي ولا كيف .. )

الكاتب .. اسلام سامي
الثلاثاء .. 27 من نوفمبر 2012 الساعه الرابعه فجرا ً  

هناك 9 تعليقات:

  1. فظيعه القصه وواقعيه جدا
    ربنا يرحم اموات المسلمين

    ردحذف
  2. قصة مؤثرة رائعة واقعية لامست قلبي

    أسأل الله أن يحسن خاتمتي وجميع المسلمين

    وان يتوفانا على قول لاإله إلا الله

    دام قلمك أشكرك

    ردحذف
  3. تسلميلي .. كلامك شهاده أعتز بيها صديقتي إبتسام

    ردحذف
  4. انا فعلا عشت جوه القصه وحسيت قد ايه هى حقيقيه .. ربنا ما يكتب الفرقه ع حد يارب :(

    ردحذف
  5. جميلة جدا بس انت مكتبتش او ممهتش لموتك او كتبت اسبابة حتى وكمان طولت قوى فى توصيف لحظات اكتشاف موتك بالقصة
    بس فى كلتا الحالات انت كاتب رائع

    ردحذف
    الردود
    1. ربنا يخليكي يا استاذه حنان ... الموت في القصه مكنش ليه أسباب .. حبيت افكر نفسي بالقصه دي ان ممكن في لحظه أموت ... ويمكن هي سبب في تغيير حاجات كتير في شخصيتي ... دايما حاطط الموت قدامي .... :]

      حذف